هل يمكن أن نعود للذى كان أونذهب لما سيكون!!

السبت، ٢٤ سبتمبر ٢٠١١




كم شدت انتباهى لوحات وصور الأماكن القديمة التى عاشت فيها الأجيال السابقة لنا إبتداء من أجيال اَبائنا رجوعًا إلى أجيال أجدادهم وأجداد أجدادهم، فعندما أتأمل الأماكن التى أمشى فيها يجول بفكرى ماذا كانوا يفعلون في زمنهم بنفس المكان الذى تطأه قدمي الآن؟! ، هل أمى في ماضيها تمشى بالحديقة بينما أنا أمشى فيها الآن على نفس الدرب؟!، هل أبى في ماضيه يعبر نفس الشارع الذى أعبره أنا الآن بجوار خطواته؟!، هل كان أجدادنا يسكنوا هذا البيت الذى أقف الآن وسط بقاياه؟!، ويخطو عقلي خطوة أكبرعائدًا للوراء فترة زمنية أبعد………، كم من مروا على هذا المكان الذى أقف فيه الآن وهو شاهدًا على الأحداث منذ خلق الكون!!، أسمع همهمة، هناك من يضحك، طنين إنفجار مدوى، أطفال يلهوا، صليل سيوف، هناك من يشدو طربا، أسمع حشود تركض، كلام كثير، أسمع نداء، نعم نداء، هناك من يناديني وأريد أن ألبي النداء، نداء فضولي لمعرفة الحقيقة التى خبأها الزمان وحفظها المكان، النداء يتكرر ملحًا
............
لأفيق على صوت والدتي الحنون مناديًا إياي، مكتشفة أننى لم أكن أسمع إلا لمناقشات ونداءات عقلي الباطن عائدة إلى أرض الزمن الحالي على المكتب غارقة بين الكتب محاولة أن أجد ما يعبر بى إلى الحقائق التى ولى الزمن تاركًا إياها.

ومن هنا يطرح السؤال نفسه

هل يمكننا التنقل عبر الزمن؟
عودة إلى الماضى ؟
أو ذهابًا إلى المستقبل ؟

أسئلة إجتهد الخيال العلمي محاولًا تقديم إجابة مقنعه عنها لكنها في نفس الوقت لم تغيب عن دائرة اهتمامات البحث العلمى.

عبر الزمن أريد الإنتقال !!
الزمن!
ماهو الزمن ؟

يمثل الزمن بالنسبة لي ولكم ولكل إنسان عادي اختلاف التوقيت نتيجة تعاقب الليل والنهار، نتعامل مع الزمن فقط من خلال أمس واليوم والغد، بينما يمثل الزمن عند العلماء مفهوم آخر.

هنا بدأت الكتب تبوح لى بأسرارها وتخرج أفضل ما عندها لأفهم كما شئت وتسطر أناملي الكلام العلمى الجاف وأبوح بما باحت لي الكتب عن مفهوم الزمن عند العلماء وكيف تطور التعامل مع مفهوم الزمن خلال رحلة تطور العلم.

الزمن بمفهوم إسحق نيوتن أنه زمان مطلق حقيقي ينساب من تلقاء نفسه بإطراد دون علاقة بأي مؤثرات خارجية، ويطلق عليه اسم الديمومة، وحقيقة نجحت نظرة نيوتن للكون ذي الزمان والمكان المطلقين في تفسير نسبة كبيرة من الظواهر الكونية، ولكن مع تقدم العلم ظهرت العديد من الظواهر التي شككت في الصحة المطلقة لنظرة لنيوتن.

فحسب قوانين نيوتن والمبنية على الزمان والمكان المطلقين أنه يجب أن تتغير سرعة الضوء بحسب سرعة واتجاه حركة مصدره، ولكن وجد العلماء في آواخر ثمانينات القرن التاسع عشر، أن سرعة الضوء ثابتة بغض النظر عن سرعة مصدره وعن اتجاه حركته، وهنا تعارضت ميكانيكا نيوتن مع نظرية جيمس كلارك ماكسويل عن الموجات الكهرومغناطيسية والتي تتعامل مع الضوء على أنه موجات وعلى أن سرعتها ثابتة ولكن أبقى ماكسويل على الأثير بصفته حاملاً للمجال الكهرومغناطيسي والأمواج الكهرومغناطيسية وإطارًا ماديًا لمكان نيوتن المطلق حيث قام نيوتن بفرض وجود أثير لنقل القوى بين الجسيمات، وهكذا أضحى الكون مكونًا من الجسيمات المادية والمجالات الكهرومغناطيسية والمؤثرات عن بعد (الجاذبية) والأثير.

وكان لابد من ظهور نظرية جديدة لتفسير ما عجزت عن تفسيره نظرة نيوتن المطلقة، وهذا ما حدث في مطلع القرن العشرين، فقد أطاح الفيزيائي الألماني، ألبرت آينشتاين، بمفهوم الأثير وذلك بطرح النظرية النسبية، والتي بنيت على فرضيتان، الأولى: تنفي وجود الأثير لأنه حسب نسبية آينشتين لا يوجد مطلق يمكن اسناد كل شيئ إليه مثل ما فعل العلماء بفرضية الأثير .والثانية: تقول أن سرعة الضوء في الفراغ ثابتة ولا تعتمد على سرعة المشاهد.

عندما قدم آينشتين النظرية النسبية الخاصة وضع فيها معادلات حركة الأجسام في فضاء مستو رباعي الأبعاد،قام بدمج الزمان كبعد رابع في جميع حساباته مع أبعاد المكان الثلاثة الطول والعرض والارتفاع، ولأن الزمن لايمكن رؤيته ولكننا نعيشه وندركه كمسلمة من مسلمات الوجود، فإذا اعتبرنا أن هندسة الكون أصبحت تعتمد على أربعة أبعاد، فإن حساباتها ستكون غاية في التعقيد ونتائجها غير متوقعة، وهذا مافعله آينشتين في نظريته النسبية الخاصة، وقد سميت بـ النسبية  لأنها تقوم على أنه لا وجود لشيء مطلق أنما هو نسبي، فالدقيقة (60 ثانية) التي نقيسها بساعاتنا يمكن أن يقيسها آخر على أنها أقل من دقيقة أو أكثر، وكذلك المتر العياري طوله متر بالنسبة للشخص الذي يحمله ولكن بالنسبة لآخر يتحرك بسرعة كبيرة بالنسبة لذلك الشخص يجد المتر أقل وكلما زادت سرعته كلما قل طول المتر ليصبح طول المتر صفر اذا تحرك الشخص بسرعة الضوء ، وسميت بـ الخاصة لأنها تعالج حالة افتراضية خاصة تهمل فيها تأثيرات الثقل التي ستتناولها النظرية النسبية العامة فيما بعد.


وبعد ذلك بأعوام جاءت النسبية العامة لتغير نظرتنا إلى الكون, فالمكان والزمان ليسا أساسا ثابتًا للأحداث،  بل أنهما مساهمان فى حركة الكون؛ والفكرة فيها هي ضم بعد الزمان إلى أبعاد المكان الثلاثة ليتشكل ما يسمى بـ الزمكان، وتضيف النسبية العامة تأثير الجاذبية بطرح الآتى: أن توزيع المادة والطاقة في الكون يحني الزمكان بحيث أنه لا يكون مسطحا،  وعندما ينحنى الزمكان فإن مسارات الأجسام تظهر منحنية، وتتحرك كما لو كانت متأثرة بمجال جاذب، فإذا تصورنا فضاء رباعي الأبعاد له ثلاثة أبعاد تمثل المكان وبعدًا رابعًا للزمان ورسمنا خط الحركة المنحنية للجسم مع تباطؤ الزمن على المحور الرابع, ظهر لنا الزمكان منحنيا بتأثير الكتلة الجاذبة وتضيف النظرية أن الزمن الخاص بالجسم الذى هو معدل تغيره يكون أبطأ إذا تحرك بسرعة كبيرة أو إذا تعرض لمجال جاذبية قوي.

في أوائل سبعينيات القرن العشرين قام العلماء بتجربة حول نسبية الزمان لينبثق منها مفهوم تمدد الزمن، قاموا بوضع أربع ساعات ذرية من السيزيوم على طائرات نفاثة تقوم برحلات منتظمة حول العالم، في اتجاهات شرق وغرب، وقارنوا الأزمنة التي سجلتها الساعات على الطائرات مع الزمن الذي سجل بمرصد ثابت، وجدوا أن الزمن الذى تم تسجيله على الطائرات أبطأ منه على الأرض بفارق ضئيل يتفق مع قوانين النسبية الخاصة.

وفى تجربه أخرى وضعوا ساعة هيدروجينية في صاروخ وصل إلى ارتفاع عشرة آلاف كيلومتر عن سطح الأرض، حيث أصبحت الساعة على الصاروخ في مجال جاذبية أضعف، والساعة الهيدروجينية الحديثة تعمل بدقة يعادل فيها الخطأ ثانية واحدة في كل ثلاثة ملايين سنة، وقاموا بمقارنة إشارات الساعة على الصاروخ بالساعات على الأرض، فوجدوا أن الساعة على الأرض أبطأ من التى على الصاروخ بحوالي أربعة ونصف جزء من عشرة آلاف مليون من الثانية، بما يتفق مع فرضيات النسبية العامة بدقة.

ومن هنا نجد أن هذه القياسات تثبت ظاهرة تمدد الزمن, والتي تعد من أهم مبادئ النظرية النسبية.
فمن التجربة الأولى اثبتت أنه كلما ازدادت سرعة الجسم تمدد الزمن , أما التجربة الثانية فأثبتت أنه إذا تعرض الجسم لمجال جاذبية قوي يتمدد الزمن؛ وتمدد الزمن هو تمدد فعلى في الزمن الذي نعيشه، ولتبسيط فكرة تمدد الزمن تعالوا نستعرض مفارقة التوأم والتي تنص على الآتي: لو زادت سرعة إنسان ما مقتربة من سرعة الضوء وليكن في سفينة فضاء مثلا و سافر على السفينة لمدة عشرة أعوام ثم عاد للأرض فسيجد أن أخيه التوأم يكبره بعشرة أعوام أي أن الزمن بطؤ لديه بمعدل خمسين بالمائة، وحقيقة تكمن المفارقة الحقيقية للتوأم في أن كلاهما يعتقد بأن الآخر هو من سيكبر في السن لأن كل منهما كان يرى الآخر يتحرك مبتعدًا بسرعة قريبة من سرعة الضوء.

والآن بما أن السفر بسرعة تقترب من سرعة الضوء هو أمر  قد يمكن فيزيائيا وتكنولوجيا، فقد اقترح أحد العلماء تصميم سفينة فضائية تعتمد على محرك دمج نووي يستخدم المادة المنتشرة في الفضاء كوقود، وأن يتم التسارع بمعدل هو نفس معدل التسارع على الكرة الأرضية، أى أنه يمكن من تصميم كهذا أن تصل سرعة السفينة إلى سرعة قريبة من سرعة الضوء خلال عام واحد، وبالتالي يبطؤ الزمن إلى حد كبير، و يتوقع وصول التكنولوجيا في المستقبل إلى بناء مثل هذه السفينة فى ظل التطور المستمر فى التكنولوجيا حاليًا، وبناء على ذلك بدأ مجموعة من العلماء البحث فى كيفية الوصول الى تقنية تسمح ببناء آلة للسفر في الزمان.

إن الزمن هو التغير، والسبب في الشعور بانسيابية الزمن هو الانتظام الظاهر لنا في صورة انتظام الحركة، ويكون مقياس الزمن لجسم ما هو معدل تغيره منسوبا لتغير جسم آخر منتظم. 

وبما أن الزمن ليس إلا مفهوم عن قياس معدل التغير لجسم ما، يصبح واضحًا أن هذا التغير لا يمكن اعتباره بعد حدوثه أنه موجود و أنه يمكننا الوصول إليه في الماضي، وأيضا لا يمكن اعتباره موجودًا في المستقبل ويمكننا الذهاب إليه.

ومن هنا بما إن الزمن لا يتمتع لدينا بأي وجود مستقل لا في الماضي ولا في المستقبل، فيتخذ معنى السفر عبر الزمن معنى مجازى، فنحن نسافر الى المستقبل بمعدل يوم واحد كل يوم، وإذا سافرنا بسرعه أكبر يبطؤ معدل السفر ويتمدد الزمن، أما بالمعنى الحقيقى العملى فنحن لا يمكننا السفر في الزمان عائدين إلى الماضي أو ذاهبين إلى المستقبل.

هنا يبقى الخيال العلمى هو عزائى الوحيد لعجزى عن تلبية نداء عقلى الباطن، وتظل عينى متأمله اللوحات والصور القديمة ليبحر عقلى عبر الزمن ذهابًا وإيابًا بين ذكرى وحلم.... 


وختامًا أنتهي بتساؤلات تراودني، هل ستقلب الإكتشافات العلمية المستمرة كيان العلوم وتتطور المفاهيم وبالتالي تتغير معها نظرتنا للزمن مرة أخرى؟
فلقد كشفت آخر التجارب في معجل الإلكترونات "سيرن" بسويسرا عن احتمالية تجاوز سرعة الجسيم الأولي النيترينو  لسرعة الضوء والتي هي سقف السرعات حتى الآن وحتي تثبت صحة التجربة من خطأها !!! فهل إذا كان الزمن يتباطأ ببلوغ سرعة تقترب من سرعة الضوء، فماذا يا تري سيحدث لو أثبت وجود سرعة تتجاوز سرعة الضوء؟؟ وماذا لو لم تثبت صحة التجربة، هل سيظهر الجديد في العلم مرة أخرى بحيث يطور نظرتنا للزمن وغيره من المفاهيم أم لا؟؟

-----------------

المصادر:
·        The Special and General Theory by Albert Einstein, translated by Robert William Lawson
·       The Principles of Mathematical Physics  by Henri Poincaré, translated by George Bruce Halsted

1 comments:

الآنسة ماربل يقول...

من التعليقات الموجزة المفيدة التي تلقيتها ردًا على تساؤلاتي الكثيرة،
تعليق للزميل كريم سليم يقول فيه:

"نحن نسعي باستمرار نحو فهم أوضح للطبيعة، و كل نظرية خاضت المعركة التجريبية بنجاح تمثل درجة من الصدق في وصفنا النسبي للحقيقة و درجة في سعينا للحقيقة المطلقة...و لدينا مثال بين ميكانيكا نيوتن و الكم و أيضًا النسبية..الفيزيائي يستخدم كل نظرية في موضعها ".

إرسال تعليق